شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مراجعة لرواية “بحجم حبة عنب”

مراجعة لرواية “بحجم حبة عنب”

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 27 مايو 201602:06 م
"زياد... سأخبرك عن الحياة التي كان من حقك أن تعيشها"، بهذه العبارة تصدّر منى الشيمي روايتها "بحجم حبة عنب"، فتخبر ابنها أنها ستروي له عن المستقبل الذي كان يجب أن يعيشه، لكنها مع ذلك لا تحكي في روايتها إلا عن الماضي، إذ "كل ما يقع لنا في المستقبل وليد أشياء موغلة في القدم"، وما الحياة وكل ما يجري فيها إلا تكرار أحداث حصلت في الماضي أو نتيجة لها.
هكذا تبدأ "منى" بقص سيرة حياتها كلها، مستدعيةً الذكريات القديمة، في ما يشبه اعترافاً طويلاً تتلوه بصمت على ابنها الذي يحتضر بعد إصابته بورم بحجم حبة عنب في دماغه، دون أن تملك شيئاً وهي تعاني في مرضه، إلا أن تقتل الوقت وتنشغل عما يصيبه بالتذكر، "أعرفت لماذا أهرب مما يحدث إلى التذكر والحكي. أنا مثل طالب أثقله الواجب فكبس عليه النوم، أو شعر بالجوع... أنا أهرب يا زياد... أهرب".
يغدو التذكر هو الوسيلة التي تتبعها الكاتبة لفهم الماضي وعلاقاته، وفهم المجتمع وطبيعة الأشياء من حولها، ويصبح الحكي مكاشفة للنفس ومحاولة للتطهر، لتستطيع فهم ذاتها، وفهم كل الأحداث التي مرت في حياتها بدءاً من طفولتها في "صعيد مصر"، ثم مراهقتها، وصراعها مع المجتمع المحافظ الذي يكبّل الأنثى، ويحاصرها، ويمنعها من أن تكون ذاتاً مستقلة، "حرص الجميع على أن أعيش على هامش الحياة، لا خروج إلا للضرورة، ولا صداقة إلا تحت المجهر. غلفوني بسيلوفان كي أكون في مأمن من الحياة".
بإزاء هذه الحالة من الاستلاب، وبعد قصة حب عاشتها أثناء دراستها في قسم الآثار في جامعة القاهرة، وانتهت بسفر الشاب الذي كانت تحبه ومحاولتها الفاشلة للانتحار، تقرر "منى" الزواج من رجل يكبرها بعشرين عاماً، ظناً منها أنها ستجد لديه العطف الذي تحتاجه، لكنها لا تحصل على شيء من ذلك، بل تعيش حياة تعيسة معه، تنعكس على أبنائها الثلاثة، "أصب لومي على أبيك الذي لا يعرف كيف يتعامل معي، ولا يفكر في التقرّب إلي وملاطفتي، كأني تحولت بعد زواجنا إلى دولاب خشبي لا يشتكي من تكدس الملابس". وبما أن لكل سبب نتيجة، وكل "ما يقع في الماضي يؤثر على الحاضر والمستقبل" فإن هذه الحالة من التعاسة مع زوجها ستدفعها إلى الكتابة، تروي كيف بدأت بكتابة القصص وكيف طورت أدواتها وبدأت بالنشر، أمام سخرية زوجها ورفض مجتمعها للمرأة الكاتبة، ومحاربته لذلك بشتى الوسائل، لكنها كانت في كل مرة تعود إلى الكتابة بإصرار أكبر، "كانت الكتابة في هذه الفترة فعل انتقام صامت وحرباً باردة".
تقدّم الرواية صورة عن الأوضاع في الجنوب المصري، وتحديداً منطقة "نجع حمادي"، ومدى الإهمال الحكومي الذي تتعرض له، وكيف أن النائب عن هذه المنطقة لم يقم بأي عمل يخدم به "النجع" على مدى سنوات، بل كان كل همّه محصوراً في الحصول على أصوات الناخبين في كل دورة انتخابية، عن طريق إثارة الفتن الطائفية، والبلطجة، والتهديد بقوة السلاح، من دون أي رادع. وهذا الفساد في هذه المنطقة ليس إلا صورة مصغرة عن فساد أكبر، ينغل في كل مناحي الحياة، فساد يمتد وينتشر في كل مناطق مصر في ظل نظام "مبارك".
تترافق مرحلة اكتشاف الورم وعلاجه لدى "زياد" مع بدء الثورة المصرية، فتنقل الروائية مشاهداتها وانطباعاتها عن هذه الثورة، خاصة بعد توجههم إلى القاهرة حيث ستتم معالجته في المركز الطبي العالمي، وهو المكان نفسه الذي نُقل "مبارك" إليه بعد سقوطه، "هل أتباهى بعلاجك في المركز الطبي العالمي، المكان نفسه الذي خطط المجلس العسكري لنقل حسني مبارك رئيس مصر لثلاثين عاماً إليه بحجة تلقيه العلاج، أم أكتفي بحزني لأنك مريض؟ يا رب... قد ينقلون مبارك هنا لأنه سرق الشعب، لكننا سنعالجك هنا لأننا دفعنا معظم ما استطعنا ادخاره".
اللافت في رواية "الشيمي" هو علاقة السرد بالزمن، وإدارة هذا واستخدامه ببراعة على امتداد الرواية، فالسرد المتشظي بين الأزمنة المختلفة يعكس إحساس التشظي والقلق الذي تشعر به الكاتبة في رحلة علاج ابنها، تنتقل بين الحكي عن "الآن" وما يحدث فيه من اكتشاف الورم ومراحل علاجه، وبين "الماضي" الذي تسترجع فيه الذاكرة أحداثاً قديمة من دون أي ترتيب زمني للأحداث، كما أنها استطاعت من خلال السرد بهذه الطريقة، نقل حالة الانتظار التي تعيشها، ونقل إحساسها بالوقت الذي أحاله القلق إلى "غول"، فهي تسترجع فترات طويلة وأحداث كثيرة من الماضي في أجزاء بسيطة من زمن يسير متثاقلاً ويضغط عليها، "عجيب تأخرك يا زياد! لا يستغرق استرجاع ذكرى استهلك حدوثها الكثير من الوقت سوى ثوان. الحيز الذي تأخذه من زمن الذاكرة غامض".
منى الشيمي قاصة وروائية مصرية، من مواليد 1968. نشرت العديد من المقالات والقصص في عدد من المجلات والصحف العربية. لها ثلاث مجموعات قصصية: "من خرم إبرة"، "وإذا انهمر الضوء"، و"رشح الحنين". ولها أربع روايات: "لون هارب من قوس قزح" التي حازت عنها جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة 2003، "الأراولا"، "الكفة الراجحة"، و"بحجم حبة عنب" التي فازت بجائزة ساويرس 2015 فرع الرواية لكبار الأدباء، كما وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2015.
الناشر: دار الحضارة للنشر/ القاهرة
عدد الصفحات: 385
الطبعة الأولى: 2014
 يمكن شراء الرواية على موقع النيل والفرات أو من متجر الكتب العربي جملون

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard